News Ticker

عُمر سليمان ونصف قرن من العمل العسكري والمُخابراتي





رحل في صمت عن عالمنا فجر اليوم الخميس اللواء عُمر سليمان، والنائب السابق لرئيس الجمهورية، ورئيس جهاز المخابرات العامة السابق، والسياسي المصري البارع، وذلك بإحدى المستشفيات الأمريكية، عن عُمر 76 عامًا، قضى منها نحو 50 عامًا بين المهام والوظائف الحربية والمخابراتية والسياسية في داخل مصر وخارجها.
وكان عُمر سليمان قد تولى منصب مدير المخابرات العامة المصرية، قبل أن يتولى منصب نائب رئيس الجمهورية إبان ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، ثم أعلن ترشحه للرئاسة في الانتخابات الرئاسية الماضية، قبل أن ترفض اللجنة الرئاسية أورق ترشحه، ويعرف عنه بأنه واضح ومُنظم ويتمتع بالذكاء والمصداقية في جميع الأمور ويحظى باحترام شديد.
ولعب سليمان دورًا بارزًا على صعيد العلاقات المصرية الإسرائيلية، والإسرائيلية الفلسطينية، بل والفلسطينية الفلسطينية، وأدار ملفات هامة وشائكة طوال حياته الوظيفية، ألعل أبرزها ملف الصراع العربي الإسرائيلي، والقضية الفلسطينية الإسرائيلية، وقضية المُصالحة بين الفصائل الفلسطينية.
اللواء عُمر سليمان .. تلك الشخصية الغامضة والتي كثيرًا ما آثارت جدلاً واسعًا خلال فترة حياته خاصة بعد ثورة يناير، وسوف تثير أكثر بعد مماته، ولكن على الرغم من مؤيديه ومعارضيه، إلا أن هناك اتفاق في النهاية على أنه كان يحمل أسرار الدولة التي لم يُكشف عنها حتى مماته.

من هو سليمان ..؟

ولد اللواء عُمر محمود سليمان في 2 يوليو/تموز 1936، وينتمي إلى محافظة قنا في صعيد مصر، وكان الراحل متزوجًا، وله ثلاث بنات، هن: عبير وداليا ورانيا، وترقى بالوظائف في عمله بالقوات المسلحة، حتى وصل إلى منصب رئيس فرع التخطيط العام في هيئة عمليات القوات المسلحة، ثم تولى منصب مدير المخابرات العسكرية، وفي 22 يناير/كانون الثاني 1993 عُين رئيسًا لجهاز المخابرات العامة المصرية حتى تم تعيينه نائبًا لرئيس الجمهورية في 29 يناير/كانون الثاني عام 2011.
اتسمت شخصية عمر سليمان بالغموض التام، فلم تتوافر عنه المعلومات الكافية على الرغم من حجمه كرئيس لأهم جهاز في الدولة لمدة 16 عاماً وهو جهاز المخابرات المصرية، ويُقال عنه بأنه يُعتبر مخزناً للأسرار فيما يتعلق بالعلاقات المصرية ـ الإسرائيلية، والمصرية ـ الأمريكية، والفلسطينية الفلسطينية، وكثيرًا ما طرحت بعض الأوساط الإعلامية والدبلوماسية بقوة اسم اللواء سليمان بوصفه مرشحًا لشغل منصب نائب الرئيس، لكن اللواء - الذي حظى بثقة الرئيس السابق مبارك واحترام الشارع العادي - لم يُعرف عنه يومًا انخراطه في ملفات الشئون الداخلية.
توفى اللواء عمر سليمان عن عُمر 76 عامًا فى مستشفى كليفلاند بالولايات المتحدة، حيث كان قد أصيب بمرض في الرئة منذ بضعة أشهر، ثم حدثت له مشاكل في القلب، وتدهورت صحته بشكل مفاجىء منذ ثلاثة أسابيع، استدعى نقله إلى المستشفى للعلاج، إلى أن توفى في ساعة مُبكرة من صباح الخميس 19 يوليو/تموز 2012.

عمر سليمان وثورة يناير:

في أعقاب اندلاع الثورة المناوئة لمبارك ولنظام حُكمه، عينه الرئيس السابق حسني مبارك نائبًا له، وذلك في 29 يناير/كانون الثاني 2011، وقد كلفه مبارك بعد تعيينه مباشرةً بالحوار مع قوى المعارضة فيما يتعلق بالإصلاح الدستوري، وفي 10 فبراير/شباط 2011، أعلن الرئيس مبارك عن تفويضه بصلاحيات الرئاسة وفق الدستور، إلا أن مبارك أعلن في 11 فبراير/شباط تنحيه عن السلطة وتكليف المجلس الأعلى للقوات المسلحة لإدارة شئون البلاد، وقام هو بتسليم السلطة إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وانتهت بذلك فترة تولية نيابة الرئيس.
أجرى سليمان بعض اللقاءات مع بعض الشخصيات خاصة الأحزاب وبعض الرموز من شباب ثورة يناير 25 للتحاور معهم من أجل الوصول لتحقيق أهداف الثورة، والحد من وقوع مُصادمات بين المُتظاهرين والشرطة، ومحاولة تهدئة أجواء الثورة المُشتعلة وإيقاف التعديات على الممتلكات العامة والخاصة.
كان لسليمان دور في مُحاكمة الرئيس السابق مبارك، وذلك بعد أن طلب عدد من المحامين المدعين بالحق المدني في القضية سماع شهادته، وبالفعل قررت المحكمة استدعائه لسماع شهادته حول أحداث الثورة، وأكد سليمان في شهادته، أن مبارك لم يُصدر أمرًا بالتعامل العنيف مع المُتظاهرين، وقال: "لا علم لي باتصال حدث من الرئيس بوزير الداخلية، وطبقا لمعلومات المخابرات فإن قوات فض الشغب لا تتسلح بالأسلحة النارية، وأن الإصابات التي حدثت للمتظاهرين قد تكون من قوات أخرى غير قوات فض الشغب".

سليمان وترشيحات الرئاسة:

وبعد عام من غيابه عن الساحة السياسية المصرية عاد عُمر سليمان وأعلن يوم 6 أبريل الماضي عن ترشحه لانتخابات الرئاسة وذلك قبل يومين من غلق باب الترشيح، وبرر تراجعه عن قراره السابق بعدم الترشح والذي أصدره في بيان بتاريخ 4 أبريل/نيسان بقوله: "إن النداء الذي وجهتموه لي أمرًا، وأنا جندي لم أعص أمرًا طوال حياتي، وأعد بأن أبذل كل ما أستطيع من جهد، مُعتمدًا على الله وعلى دعمكم لننجز التغيير المنشود واستكمال أهداف الثورة وتحقيق آمال الشعب المصري فى الأمن والاستقرار والرخاء".
وفي آخر أيام تقديم أوراق الترشح، قام بتقديم أوراق ترشحه رسميًا، وذلك قبل غلق باب التقديم بـ20 دقيقة، إلا أن اللجنة العُليا للانتخابات قررت في 14 أبريل/نيسان استبعاده لعدم استيفائه أوراق ترشيحه.

من الحربية لنائب جمهورية:

تلقى عمر سليمان تعليمه في الكلية الحربية في القاهرة، وفي عام 1954 انضم للقوات المسلحة المصرية، وتلقى تدريبًا عسكريًا إضافيًا في أكاديمية "فرونزي" بالاتحاد السوفيتي، ثم التحق بجامعة عين شمس في الثمانينات وحصل على شهادة البكالوريوس بالعلوم السياسية، كما حصل على شهادة الماجستير بالعلوم السياسية من جامعة القاهرة، كما حصل على الماجستير بالعلوم العسكرية، وفي عمله بالقوات المسلحة ترقى بالوظائف حتى وصل إلى منصب رئيس فرع التخطيط العام في هيئة عمليات القوات.
حصل سليمان على زمالة كلية الحرب العُليا دورة متقدمة من الإتحاد السوفيتي، وشارك في معظم الحروب المصرية بدءً من حرب اليمن عام 1962 وحربي 1967 و 1973.
تولى سليمان منصب مدير المخابرات العسكرية، وفي 22 يناير/كانون الثاني 1993 عُين رئيسًا لجهاز المخابرات العامة المصرية، منذ 22 يناير/كانون الثاني 1993 حتى تم تعيينه نائبًا للرئيس السابق محمد حسني مبارك في 29 يناير/كانون الثاني 2011 وحتى 11 فبراير/شباط 2011، وذلك في أعقاب اندلاع ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011.

مهام وانجازات:

رغم الغموض الذي يُحيط بشخصية اللواء أو تاريخه في جهاز المخابرات، فإن هناك من يقول إنه واحد من أكثر المسئولين الذين يلقون احترام وتقدير الشارع المصري، بالنظر إلى النجاح المتواصل الذي سجلته المخابرات المصرية في عهده، فيما يتعلق بمكافحة أنشطة التجسس التي تقوم بها المخابرات الإسرائيلية الموساد ضد مصر.
كان لسليمان دور رئيسي وفعال في اتفاق الصلح بين حركة فتح وحركة حماس, عقب تعيينه في السنوات الأخيرة لحُكم مبارك مبعوثا خاصًا للرئيس للقضية الفلسطينية، وكما ظهر اسمه إبان فترة الانتخابات الرئاسية في مصر كثيرًا كخليفة متوقع للرئيس مبارك ولكن عُمره الذي تجاوز السبعين عامًا أضعف من موقفه كثيرًا.
قام سليمان برعاية العديد من الاتفاقات بين الفلسطينيين والإسرائيليين في الأعوام 2001 و2002 و2005 ، كما لعب دوراً هاماً في التوسط لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس إثر حرب غزة في عام 2008.
تولى أثناء فترة عمله كرئيس للمخابرات العامة ملف القضية الفلسطينية وذلك بتكليف من الرئيس السابق مبارك، ومنها توليه مهمة الوساطة حول صفقة الإفراج عن العسكري الإسرائيلي الأسير لدى حركة حماس جلعاد شاليط والهُدنة بين الحركة وإسرائيل، والمفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، كما أنه قام بمهام دبلوماسية في عدد من الدول منها السودان.
وحصل اللواء عمر سليمان على العديد من الأوسمة والأنواط والميداليات منها وسام الجمهورية من الطبقة الثانية ، نوط الواجب من الطبقة الثانية ، ميدالية الخدمة الطويلة والقدوة الحسنة، نوط الواجب من الطبقة الأولى، نوط الخدمة الممتازة.

سليمان بين التأييد والمعارضة:

ينظر المعارضون لعُمر سليمان على أنه الصديق المُقرب من الرئيس السابق مبارك وذراعه اليُمنى التي يأتمنها، وهو في نظرهم "قائد الثورة المُضادة"، خاصة هو الذي أذاع بيان التنحي القصير بعينين لا تنظران أبدًا للكاميرا، وهو من رفض تلميحات ترشيحه لرئاسة الجمهورية قبل عام من قيام الثورة، وهو من أكد مرارًا على ولائه وإخلاصه لمبارك.
فمن جانبه ذكر الصحفي الأمريكي "ستيفن جراي" في كتابه "الطائرة الشبح" دور سليمان في برنامج التعذيب بالوكالة "رينديشن" لصالح أجهزة الأمن الأمريكية، وأنه أشرف - وفقا لكتاب جراي - على وضع تفاصيل المشروع منذ عام 1995، وتصف الوثائق الدبلوماسية والعسكرية المُسربة عبر "ويكيليكس" بأن سليمان يُعتبر أحد المفاتيح الرئيسية في هذا البرنامج.
وعلى الرغم من حجم المُعارضين لسليمان إلا أنه كان يتمتع بشخصية شديدة الكاريزمية على المستويين الداخلي والخارجي جعلت له مؤيدين أكثر حجمًا من المعارضين، فهم ينظرون له على أنه العسكري القوي، ورجل المخابرات الفذ، يظهر ذلك من خلال حرص مؤيديه على اختيار لقب "الجنرال" لتمييز سليمان عن غيره ممن يحملون لقب "اللواء".
وفي نفس السياق وصفه وزير الدفاع الإسرائيلي السابق بنيامين بن إليعازر بأنه رجل مناسب لإسرائيل، ووجد ترحيبًا كبيرًا داخل إسرائيل إثر ترشحه للرئاسة، حينما صرح شالوم بأن ترشح سليمان للرئاسة هو تحول إيجابي، وقال عنه "جورج تينيت" رئيس المخابرات الأمريكيه 2000 - 2004 بأنه شخص قوى جدًا وصلب ذو مظهر مهيب يتحدث بتمهل شديد وجذاب صادق تمامًا وصريح، وقد عمل بعيدًا عن الأضواء في محاوله صادقه لإحلال السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين وبين الفلسطينيين بعضهم البعض، فهو رجل صادق تمامًا في عالم ملئ بالضلال.
وهكذا كما كان الجنرال عُمر سليمان غامضًا وصامتًا في حياته، رحل أيضًا في صمت وهدوء في مستشفي كليفلاند بالولايات المتحدة الأمريكية لينهي مشوار رحلة طويلة من العمل الحربي والمُخابراتي وليُدفن معه "الصندوق الأسود" لقضايا وملفات كان ينتظر الكثيرين في يوم ما التعرف على ما بداخله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أيجبت تايم نيوز

إلى الأعلى